لا أتصور أننا سنأتي بجديد حين نقول إن تسويف المستأجرين في صرف الإيجار أو إخلاء المبنى المؤجر هي ظاهرة متفشية في سوق المبنى السعودي، ويرجع الدافع الأساسي في تفشيها – من إتجاه نظرنا – إلى عدم توفر أعمال حاسمة وعاجلة لتحصيل الحقوق الثابتة بمقتضى إتفاق مكتوب الإيجار. فالوضع يوميء إلى أنه وعند إجابات ميعاد دفع الإيجار أو انصرام الاتفاق المكتوب، ينهي مخاطبة المستأجر من خلال مكتب المبنى المؤجر ويعطي وقت إضافي أو أكثر للشكوى، وحين لا يجد نفعاً يحال الشأن إلى المحكمة التشريعية الخاصة بالنظر في التشاجر، ومن الجائز أن لا يحضر المتهم (المستأجر) الجلسة الأولى والثانية، والنتيجة إطالة المستأجر لبقائه في المبنى المؤجر، وبعد أن يأتي ذلك الحكم إزاءه تبدأ المماطلة مكررا من قبل المستأجر مع الحقوق المدنية.
و بالنظرً لأن أي ظاهرة تستفحل وتطفو على السطح فإن من الطبيعي التدخل للتنظيم والمعالجة من قبل الجهات المقصودة، ولقد أصدر في مجلة «العاصمة السعودية الرياض عاصمة السعودية» بتاريخ عشرين رمضان 1425هـ خبراً يوميء حتّى (إمارة مساحة العاصمة السعودية الرياض عاصمة السعودية تتخذ أفعال قريبة العهد في مواجهة مستأجري المنشآت المماطلين في الدفع لحفظ حقوق الملاك) ومن تلك الأعمال أن المستأجر إذا امتنع عن دفع ما فوق منه بمقتضى إتفاق مكتوب الإيجار أو رفض إخلاء المبنى عقب اختتام تم عقده الإيجار يوقف الآنً حتى ينفذ ما نصت فوقه بنود الاتفاق المكتوب، وقبل هذا إذا تلكأ المستأجر عن الحضور وتبين عدم إستجابته فيحضر بالشدة الجبرية وتستخدم بصحبته سائر الوسائط بما في هذا فصل الخدمات من كهرباء وماء.
ورحب العديد بتلك الممارسات بمثابة أنها آلية فعّالة وتحط حداً لمماطلة المستأجرين في صرف الإيجار أو إخلاء المبنى المستأجر عقب اختتام إتفاق مكتوب الإيجار الأمر الذي يحفظ حقوق ملاك المبنى، عن طريق ما تضمنته تلك الممارسات من غرامات الإيقاف وفصل الكهرباء والماء دون اللجوء إلى القضاء، غير أن يقتضي أن نتساءل هل تلك الأفعال نظامية (شرعية)؟ وعن مجال مشروعية أداؤها؟
من المبادئ المتفق أعلاها في الدستور الإداري أن السلطات التنفيذية في الجمهورية مسجلة في عملها وتصرفاتها بمبدأ المشروعية، والذي يقصد أن أفعال السلطة الإدارية وقراراتها لا تكون صحيحة ومنتجة لآثارها الشرعية سوى بمقدار مطابقتها للقانون (النسق). ومبدأ المشروعية يستلزم انتباه تدرج القاعدة النظامية (التشريعية) بحيث لا تخالف القاعدة الشرعية الأقل مكانة للقاعدة التشريعية التي تعلوها وبذلكَّ يكون الفعل صحيحاً. وفي المملكة يكون تدرج النُّظُم الشرعية كالتالي (نُظم الشريعة الإسلامية ثم النسق اللازم للحكم ثم الأنظمة الصادرة بمراسيم مال ثم القوائم والقرارات الإدارية).
ومن المبادئ في التشريع الإداري أن السلطات التنفيذية لها (امتياز الإنتهاج المباشر) ويعني حقها في أن تقوم بتطبيق قراراتها وأوامرها في اجتماع الشخصيات ولو بالشدة الجبرية دون الاحتياج للالتجاء إلى القضاء للاستحواذ على إذن الأخذ، ولذا الامتياز غير مطلق إلا أن هو محصور بحالتين وهما:
1 – وضعية وجود مقال نظامي صريح.
2 – ظرف الأهمية القصوى كحالة الإخلال بالأمن العام والضرورة تقدر بقدرها.
لذلك نشاهد أن الأعمال التي من الممكن أن تصدر من الجهات التنفيذية كـ (قوات الأمن) وما تتضمنه من إجراءات عقابية بتعطيل المستأجر إذا امتنع عن السداد أو إخلاء المبنى المؤجر وفصل خدمات الكهرباء والماء، غير نظامية للأسباب اللاحقة:
إن إنهاء أي واحد بلا حكم قضائي أو مقال نظامي صادر عن السلطة التنظيمية (الشرعية) فعل غير مشروع، استناداً لمنطوق المادة (36) من النسق اللازم للحكم «تمنح الجمهورية الأمن لكل مواطنيها والمقيمين على إقليمها، ولا يمكن تقييد تصرفات واحد من أو توقيفه أو حبسه سوى بمقتضى أحكام النسق»، مثلما أن إيقاع جزاء فصل الخدمات من كهرباء وماء مخالفة للمادة (38) من الإطار اللازم للحكم والتي منصوص بها على أن «الإجراء التأديبي شخصية، ولا جناية ولا إجراء تأديبي سوى تشييدً على موضوع تشريعي أو مقال نظامي».
لو كان للسلطات الإدارية بما فيها أقسام الشرط يجوز لها استعمال الشدة النقدية لإجبار الشخصيات على تأدية التعليمات الصادرة إليهم وعلى تقدير ومراعاة الأنظمة والفهارس والقرارات، فإن الشدة النقدية ليس المقصود بها إمضاء العقوبة على مخالفة الأشخاص لها، فهذه من اختصاص السلطة القضائية، غير أن المقصود بالشدة المالية هي المجهود على تجريم سقوط الإجراءات التي تكون إخلالاً بالنظام العام، ولا يمكن استعمالها سوى في وضعية اللزوم وبالقدر الأساسي لتلبية وإنجاز استتباب النسق العام.
والنتيجة أن الأمر التنظيمي أو الإجراء الإداري الصادر بتلك الأعمال يكون غير نظامي لمخالفته مبدأ المشروعية، لهذا يكون المرسوم قابلا للإلغاء من قبل ديوان المظالم ويكون للمتضرر نتيجة للإيقاف أو فصل الخدمات المطالبة بالتعويض عن ما أصابه من مضار نتيجة لـ تأدية الأمر التنظيمي.
لذلك لإضفاء النظامية على الأفعال المذكورة وجعلها مشابهة للنظام، وهي فعليا إجابات جيدة لمعالجة ظاهرة المماطلة من قبل المستأجرين، يلزم اللجوء إلى أمرين، الأكبر: لما كان القضاء ممثل بالمحاكم التشريعية هي المنحى الخاصة بالنظر في مختلف المنازعات المرتبطة بالعقار بمقتضى أحكام منظومة المرافعات القانونية، فإنه ينبغي تسريع ممارسات البصر في إدعاءات الإيجارات واختصار المواقيت، وأن يكون تطبيق القرارات القضائية من الجهات المخصصة مشمولاً بالنفاذ المعجل.
والأمر الـ2 إنتاج نمط من السلطة التنظيمية (مجلس الشورى ومجلس الوزراء) أو إنتاج قائمة تنظيمية من مجلس الوزراء بوصفه السلطة التنفيذية، يشتمل تنظيماً لعقود ومسائل الإيجار في المملكة وأن يتضمن على مقالات بديهية تشتمل غرامات أو أفعال في حال تسويف المستأجر في صرف الإيجار أو إخلاء المبنى حتى الآن اختتام إتفاق مكتوب الإيجار، وتخويل السلطة التنفيذية كالإمارات أو أقسام الشرط تطبيقها دون الاحتياج إلى إبانة الصراع على القضاء، وأن يقتصر المسألة على مسائل المماطلة في تأدية بنود الاتفاق المكتوب السليم وغير المتنازع حوله، أما مسائل التشاجر بشأن صحة إتفاق مكتوب الإيجار وما اشتمل فوق منه من مواد كقيمة الإيجار والتعويض فيجب عرضه على المحكمة التشريعية والحصول على حكم قضائي للتنفيذ.