لدى اطلاقنا لكلمة «الاتفاق المكتوب» نجدها مشعرة بالتوثيق والالتزام، والرابطة بين طرفين وأكثر. فهو أداة التناقل التي يمكن القول إنها تدخل في إطار تصرفاتنا اليومية، من غير الالتفات لابرامه ولذا لكون العقود اللازمة اليومية عقوداً عاجلة، والالتزامات فيها يكون الإخلاص بها معجلاً وفي الوضع.
غير أن هنا لا أتحدث عن شأن مرتبط بالعقود التي تدعو لها ضرورات الحياة اليومية، غير أن أتناول موضوعاً متعلقاً بالعقود التي تم تحريرها ذات الطابع التجاري والملزم للجانبين والتي إنشاء فوقها تنجم التزامات متقابلة في ذمة جميع من المتعاقدين فالبيع – مثلاً – تم عقده ملزم للجانبين فيلتزم المشتري بتسليم السعر، ويتعهد صاحب المتجر بنقل مال المبيع للمشتري وتمكينه من الفعل في المبيع.. فهنا كل شخص من طرفي الاتفاق المكتوب دائن للآخر ومدين له. على عكس الاتفاق المكتوب الملزم لجانب فرد فيكون واحد من طرفي الاتفاق المكتوب دائناً والآخر مديناً.
وقد يشوب تلك الالتزامات التعاقدية المتقابلة تقصير من واحد من المتعاقدين في القيام بتأدية ما في ذمته من التزام، ويكون في مواجهة الناحية الأخرى في الاتفاق المكتوب واحدة من وسيلتين:
1- اما الدفع بعدم تطبيق الاتفاق المكتوب وبعبارة أخرى: الامتناع المشروع عن الإخلاص بالعقد.
2- واما فسخ الاتفاق المكتوب، والذي يحتسب من المحددات والقواعد الضمنية في العقود الملزمة للجانبين.
وأتناول في ذاك المقام الكيفية الأولى: وهي الدفع بعدم تطبيق الاتفاق المكتوب. فكما في وقت سابق ان صرحت ان العقود الملزمة للجانبين إذا كانت الالتزامات فيها مستحقة الإخلاص جاز لجميع فرد من المتعاقدين ان يمتنع عن تأدية التزامه، في وضعية عدم قيام المتعاقد الآخر بتطبيق ما فوق منه من التزام تعاقدي ناشئ نتيجة لـ الاتفاق المكتوب.
وذلك الامتناع عن تأدية الالتزام هو «التمسك بعدم تأدية الاتفاق المكتوب» والمنبع في ذاك المبدأ هو المبدأ العام الذي منصوص به على «الحق في إحتجز المنبع» ويعد الدفع بعدم تطبيق الاتفاق المكتوب تنفيذاً لذا المصدر، في إطار إطار العقود الملزمة للجانبين.
ولعله من الملائم ان يلقب كل «حق في قام باحتجاز المنبع» في أي تم عقده ملزم للجانبين «حق الدفع بعدم تطبيق الاتفاق المكتوب».
إلا أن هنا سؤال: هل يدخل ذاك الحق في العقود الملزمة لجانب فرد؟ مثل تم عقده العارية، وعقد الرهن ونحوهما.
فالمعلوم ان تم عقده العارية أو (الاستعارة) تم عقده ملزم لجانب شخص إلا أن على الأرجح ان يدخل على الاتفاق المكتوب تأثيرات فيتحول تشييد فوقها إلى تم عقده ملزم للجانبين. فلو ان شخصاً استعار شيئاً بإذن مالكه وأنفق فوق منه النفقات اللازمة التي غير ممكن تسخير منفعته دون فعلها فمن الواضح ان له العودة بتلك النفقات التي أنفقها على المالك الأصلي. فمن بيده العين المعارة هنا يعد دائناً للمالك بتلك المصاريف، في الوقت نفسه مديناً له برد العين المعارة (دكان إتفاق مكتوب العارية).
فمن هنا أشاهد أنه يمكن القول بتأدية ذلك المبدأ «الدفع بعدم تطبيق الاتفاق المكتوب» في العقود الملزمة لجانب فرد، ولا يمكننا ان نقول بحصرها في نطاق العقود الملزمة لجانبين ليس إلا.
ولا يكفي في الالتزام ان يكون ملزماً للجانبين حتى نقول بجواز دفعه بالامتناع عن الإتخاذ، غير أن لابد ان يكون ذاك الالتزام الآنً ايضاً فالعقود المدنية التي يكون واحد من الالتزامين فيها مرجئاً نقول (لا يمكن الإتخاذ فيها بذلك المبدأ). لأنه قد يتطرق التقادم إلى واحد من الالتزامين في الاتفاق المكتوب الملزم للجانبين، وأعلاه لا يمكن لنا التنفيذ بذلك المبدأ والدفع بعدم تأدية الاتفاق المكتوب، لأنه يكون اجباراً بطريق ملتوي على تطبيق التزام طبيعي غير ضروري الإنتهاج.
ثم نأتي على نقطة مأمورية هي موضوع (اعذار الناحية الأخرى في الاتفاق المكتوب) فلا يجب ان يقوم الطرف المتمسك بذاك المبدأ «الدفع حتى الآن تأدية الاتفاق المكتوب» بابلاغ الناحية الأخرى باعماله والتمسك به لأنه ليس من اللزوم تبليغه بذاك مثلما هو الشأن في موضوع فسخ الاتفاق المكتوب، ويكفي لاعلامه بهذا فعل المتمسك بذاك المبدأ، وامتناعه عن تأدية التزامه بذريعة عدم قيام الناحية الأخرى بتأدية التزامه المقابل.
بل هنا نأتي على نقطة جديرة بالاهتمام هي (المحددات والقواعد الجزائية في العقود) هل تمثل داخلة في ظل (مبدأ الدفع بعدم الأخذ) لأنه قد يترتب أعلاها عدم الإخلاص بكامل الاستحقاقات العقدية للطرف المطبق تجاهه ذاك الشرط. فأرى: ان من أفاد بدخولها في نطاق ذلك المبدأ يشاهد وجوب اعذار الناحية الأخرى في الاتفاق المكتوب بالتمسك بتلك المحددات والقواعد، ولا يكفي بحت وجودها في إطار بنود الاتفاق المكتوب. لأن كل التزام بالتعويض عن التأجيل، لا ينتج ذلك سوىّ بالأعذار طبقاً للقواعد العامة.
ولعله من الموائم لمن يتمسك بذاك المبدأ، عدم اعذار الناحية الأخرى في الاتفاق المكتوب، لأن ذاك يبقى في مواجهته إمكانية النفع من ذلك المبدأ (الدفع بعدم تأدية الاتفاق المكتوب) فيكون بذاك إما ملزماً للطرف الآخر بتطبيق الالتزام المقابل، أو حاثاً له على معيشة دعوى (في مواجهة المتمسك بالمبدأ) ووقتها يكون لمن تمسك بالمبدأ، استغلاله كدافع صلب في القضية.
ومن هنا يتبين لنا ان ذلك المبدأ يجتاز في تنفيذه بمرحلتين من المرجح، (فترة غير قضائية) وهي مدة التمسك بالمبدأ. وهي بحت امتناع ولا تفتقر إلى عمل جيد ومحفز.
والمرحلة الثانية (فترة قضائية) فالطرف الآخر في الاتفاق المكتوب قد يلجئ إلى القضاء بإعزاز دعوى مقابل المتمسك بالمبدأ (المتهم) ولعله نستطيع القول ان المدة الثانية هي (فترة الإشراف القضائية) على تأدية ذلك المبدأ.