مُنِي واحد من المدنيين بفشل كلوي وجلطة بالدماغ وثقب في القولون أفضى إلى استئصاله كلياً، الأمر الذي أسفر عن ضعف وضعية الموبوء الصحية بأسلوب متواصل، وكل ذاك كان نتيجة لـ غير صحيح الدكتور مثلما روى ذاك ابن السقيم (مجلة العاصمة السعودية الرياض عاصمة السعودية 1429/6/8ه). تلك القضية تجيء على سبيل المثال لسلسلة من قضايا الأخطاء الطبية التي تحفل بها الصحف المحلية وتتناقلها مجالس الناس، الأمر الذي ارتفع من نسبة تقدم الإنتقاد وبخاصةً الحاد منه على صعيد الخدمات الصحية في المملكة.
فرغم التقدم الكبير في دراية الطب والتطورات والإنجازات الطبية التي توضح بين الزمن والآخر والتي أدت إلى اكتشاف الكثير من الأساليب في التشخيص والدواء، فإن مجازفات الأخطاء الطبية التي يلحقها الأطباء بمرضاهم في ارتفاع، لهذا من الطبيعي أن تبقى في كل الدول قوانين جمعية لمهنة الطب والتي تصبو إلى المحافظة على سلامة الإنسان وحمايته من تجاوزات الأطباء وأخطائهم الطبية التي قد ترتكب بحق مرضاهم، مع التسليم بأن من المنتظر في شغل الطب وضْعها في هذا شأن بقية المهن أن يصدر فيها أخطاء وتجاوزات منسجماً هذا مع طبيعة الإنسان غير المعصومة من الخطأ.
وفي المملكة صدرت الكمية الوفيرة من الأنظمة المنظمة لاعتياد أداء وظيفة الطب يجيء في طليعتها نمط (إعتياد أداء المهن الصحية) والصادر بمقتضى الأمر التنظيمي الملكي رقم م/ 59وتاريخ 1426/11/4ه، ولأهمية نص الأخطاء الطبية والمسؤولية الناتجة عنها، فسينصب الحوار بخصوص المقصود بالخطأ الطبي وأنماط المسؤولية التي تترتب على الدكتور ضد ارتكابه لذلك الخطأ.
يعلم الخطأ الطبي من الناحية الشرعية بأنه ((كل مخالفة أو مغادرة من الدكتور في سلوكه على النُّظُم والمصادر الطبية التي يحكم بها العلم أو المتعارف أعلاها نظرياً وعملياً وقت تطبيقه للعمل الطبي أو إخلاله بواجبات الانتباه والحذر واليقظة التي يفرضها التشريع وواجبات الحرفة على الدكتور، متى ترتب على فعله نتائج كبيرة فيما كان في تمكنه وواجباً فوقه أن يكون يقظاً وحذراً في تصرفه حتى لا يسبب ضررا بالمريض)). وعلى الرغم وضوح التعريف، لكن من غير المحتمل للواحد المتواضع علم ما لو كان الدكتور قد ارتكب غير دقيق أم لا، فمعرفة النُّظُم والمناشئ الطبية ليس بالأمر الهين، لذلك فليس من المستبعد أن تتم أخطاء طبية دون علم السقماء أو ذويهم بذاك، لذلك يكون الاستناد على الضوابط الرقابية والمهنية لاختيار الأطباء من أكثر عوامل تحريم حدوث الأخطاء الطبية، وخصوصا في المستشفيات والمراكز الطبية المختصة، التي لا يخفى على الجميع الطابع التجاري في عملها.
ونظام إعتياد أداء المهن الصحية جاء خالياً من توضيح مفهوم الخطأ الطبي، لكن جاء فحسب معدداً لبعض الحالات التي عدت من قبيل الخطأ الطبي، فالمادة (27) من النسق منصوص بها على ما يلي “كل غير دقيق احترافي صحي صدر من الممارس الصحي، وترتب فوق منه ضرر للسقيم، يتعهد من ارتكبه بالتعويض. وتحدد (الإدارة الصحية التشريعية) المنصوص فوق منها في ذاك النسق كمية ذلك والعوض. ويعتبر من قبيل الخطأ المهني الصحي ما يجيء:
1- الخطأ في الدواء، أو ندرة المواصلة.
2- الجهل بأمور فنية يفترض فيمن كان في مثل تخصصه الوعي بها.
3- تصرف النشاطات الجراحية التجريبية وغير المسبوقة على الإنسان بالمخالفة للقواعد المنظمة لذا.
4- فعل المساعي، أو الدراسات العلمية غير المعتمدة، على العليل.
5- إعطاء علاج للعليل على طريق الامتحان.
6- استخدام آلات أو معدات طبية دون معرفة كافٍ بأسلوب استخدامها، أو دون اتخاذ الاحتياطيات الكفيلة بمنع حدوث ضرر من بسبب ذاك الاستخدام.
7- التقصير في المراقبة، والإشراف.
8- عدم استشارة من تستدعي وضعية العليل الاستعانة به.
ويقع باطلا كل إشتراط يشتمل تحديد، أو إعفاء الممارس الصحي من المسؤولية)).
وإذا وقع الخطأ الطبي، بالصورة أو الطريقة التي بيناها بالأعلى، فإنه ينتج عن هذا قيام المسؤولية على الدكتور المعالج، وتلك المسؤولية تنقسم إلى ثلاثة أشكال، وهي المسؤولية المدنية والجزائية والتأديبية، وتبيان هذا:
أولاً- المسؤولية المدنية: وتعرف المسؤولية المدنية بأنها إخلال الواحد بالتزام يحدث على عاتقه بمقتضى الدستور (الإطار)، وينتج عن ذاك الإخلال ضرر لشخص أجدد، وذلك الضرر يحتاج وبدل الإتلاف لجبره. وينبع الالتزام في عمل الدكتور من القوانين المنظمة لمهنة الطب، إضافة إلى ذلك الاتفاق المكتوب الطبي بين الدكتور والمريض، إذ يتعهد الدكتور ببذل الإعتناء الطبية المطلوبة وتقديم الدواء الضروري للعليل. فإذا ارتكب الدكتور أي غير دقيق طبي ونتج عنه ضرر للسقيم فيترتب على هذا قيام المسؤولية المدنية (تقصيرية أو عقدية) على الدكتور، ويتعهد الدكتور بجبر الضرر على يد والعوض الجوهري، والتعويض يكمل تحديده من قبل (الإدارة الطبية التشريعية) وهي الجانب القضائية الخاصة بالنظر بالأخطاء الطبية، وتلك المنفعة تتركب من قاض من وزارة الإنصاف ومستشار شرعي وعضو ممنهجة شرح وتعليم من واحدة من كليات الطب وطبيبين من ذوي الخبرة والكفاية. مع العلم بأن الدية أو الإرث معينة بمفاهيم مشروعية، أما وبدل الإتلاف فهذا هو المتروك لتقدير المصلحة الطبية.
ومما يجدر ذكره هنا أن نمط ممارسة المهن الصحية قد جاء بمادة عصرية لم تكن في الإطار المنصرم وهي المادة (41) ومضمونها إنفاذ جميع الأطباء وأطباء الأسنان العاملين في الشركات الصحية العامة والخاصة بالتأمين مقابل الأخطاء الطبية وهي نقطة جيدة ومحفزة تسجل لمصلحة الإطار الجديد للعثور على مخرج إزاء تخزين حقوق السقماء المتضررين لضمان والعوض لهم. ومن جهة أخرى غير ممكن القول أن توفير الحماية الطبي مقابل الأخطاء الطبية سوف يقوم بحماية الدكتور من عواقب أخطائه وتجعله يتقاعس طوال عمله وتأدية التزامه على أوفى وجه، لأن المساءلة للطبيب لا تقتصر على المسؤولية المدنية والتي تتمثل في والعوض الجوهري ليس إلا، إلا أن تتعداها إلى المسؤولية الجزائية والتأديبية مثلما سنرى.
ثانياً- المسؤولية الجزائية: وتقوم المسؤولية الجزائية على الدكتور لدى ارتكابه احد الأعمال التي تشكل جرم في الإطار، مثل جناية الإجهاض غير المشروع، وجريمة تعمد الضرر بالمريض وجريمة الامتناع عن تقديم الدواء والإسعاف في حالات اللزوم وغيرها. وفضلا على ذلك الجرائم العامة والتي يكمل العقوبة أعلاها استناداً لأحكام الشريعة، خسر موضوع النسق وفي المادة (28) على ما يلي “مع عدم الإخلال بأي إجراء تأديبي أقوى منصوص فوق منها في أنظمة أخرى، يعاقب بالحبس مرحلة لا تمر 6 شهور، وبغرامة لا تزيد على 100 1000 ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، جميع من:
1- زاول المهن الصحية دون ترخيص.
2- رِجل معلومات غير مناظرة للحقيقة، أو استعمل طرقاً غير قانونية كان من نتيجتها منحه ترخيصاً بمزاولة المهن الصحية.
3- استعمل أداة من طرق الإعلانات، يكون من وضْعها حمل الحشد على الاعتقاد بوجود الحق معه في إعتياد أداء المهن الصحية خلافاً للحقيقة.
4- انتحل لنفسه لقباً من الألقاب التي تطلق عادةً على مزاولي المهن الصحية.
5- وجدت يملك آلات أو لوازم الأمر الذي يستخدم عادة في إعتياد أداء المهن الصحية، دون أن يكون مرخصاً له بمزاولة هذه المهن أو دون أن يتوفر عنده مبرر مشروع لحيازتها.
6- امتنع عن دواء سقيم دون مبرر مقبول.
7- صاحب تجارة بالأعضاء الآدمية، أو وقف على قدميه بعملية زراعة عضو آدمي مع علمه بأنه تم الحصول فوقه على يد المتاجرة)).
ثالثاً- المسؤولية التأديبية: وهي المساءلة عن إخلال الدكتور بسلوكه المهني الذي نصت فوقه أخلاق وآداب الشغل من الصدق والولاء وغيرها، وقد نصت المادة الحادية والثلاثون على ما يلي “مع عدم الإخلال بأحكام المسؤولية الجزائية أو المدنية، يكون الممارس الصحي محلاً للمساءلة التأديبية، إذا أخل بأحد واجباته المنصوص فوقها في ذاك النسق، أو خالف منابع مهنته، أو كان في تصرفه ما يعتبر خروجاً على متطلبات مهنته أو آدابها” ونص النسق على مجموعة من الغرامات التأديبية في المادة الثانية والثلاثين وهي الإجراءات العقابية التأديبية التي يجوز توقيعها في وضعية الإنتهاكات المهنية هي:
1- التحذير.
2- عقوبة مالية مادية لا تتخطى 10,000 ريال.
3- إزاحة الترخيص بمزاولة الوظيفة الصحية وشطب الاسم من فهرس المعتمد لهم.
وفي ظرف إزاحة الترخيص؛ لا يمكن القيادة بطلب ترخيص عصري سوى عقب انقضاء سنتين كحد أدنى من تاريخ صدور مرسوم الإلغاء)).
وبعد ذلك الاستعراض لمفهوم الخطأ الطبي وأصناف المسؤولية الناتجة عنه، نوضح أن خط الحراسة الأضخم لكبح حدوث الأخطاء الطبية أو بأسلوب أصح تخفيض حدوثها هو المراقبة المهنية والضوابط التي تفرض لإعطاء تراخيص إعتياد أداء وظيفة الطب، ويكفينا فخراً في المملكة ما تحقق من منجزات طبية على مصر العليا الدولي سوى أننا نرغب أن تتشوه تلك الصورة بأي حال من الظروف بتفشي ظاهرة الأخطاء الطبية.