الدستور العراقي الاتحادي لا يعاقب على جناية التسبب في انتحار الآخر ..
وجد شاب صغير في مقتبل العمر – يعمل في تشغيل مولدة كهربائية – قتيلا قربها ومسدس في يده ، قفزت بواسطة الفحصوصات الطبية على جثته وفحوصات المسدس بانه انتحر بمسدسه باطلاق طلقة واحدة في رأسه ، قفزت من الاستجوابات بان قرينته كانت على صلة غير قانونية مع رجل اجدد ، وقرينها المنتحر يعرف بهذا ، وعند تفريغ محتويات جهاز محمول القرين وجدت مراسلات ( sms ) من جهاز محمول عشيق قرينته يعلمه فيه بانه يزني بزوجته ويصف له افعال الزنا والإشارات في بدنها كوجود شامة في مقر ما وغيرها ، فأدانت المحكمة عشيق القرينة عن ( جرم اللطم المفضي للهلاك ) على حسب المادة ( 410 ) من دستور الإجراءات العقابية.
وفي مصيبة احدث اغتصب شاب صغير في مقتبل العمر قرينة اخيه في دارها ، فسكبت – حال انتهاءه من اغتصابها – البترول على ذاتها واشعلت فيها النار فتوفيت متأثرة بالحروق القوي التي اصابتها .
وحدثني احد الاخوة العاملين في الامم المتحدة بان السطات المعينة في عدد محدود من دول الغرب درست عدد محدود من حالات انتحار المراهقين في المدارس ، فوجدت بانها كانت نتيجة لـ ضغوطات وتصرفات يمارسها زملائهم تجاههم الأمر الذي يدفعهم الى الانتحار ، كأن يتعمد زملاء المدرسة إعتداء زميلهم كل يوم ، او خلع ملابسه ، او تمزيقها ، اومنعه من اللعب بصحبتهم ، او التهكم منه ، او اخذ مصروفه او اخذ طعامه ، او اتلافه ، بأسلوب متكرر كل يوم ، فيلجأ الى الانتحار لشعوره بالعجز عن اجتماع هذه الضغوط والتصرفات ، متى ما تعجز الشركة التربوية عن معاونته ، ويهمله او لا يكثرث به ابواه ، او يعجز عن مصارحتهم بما يتعرض له لانهم يكذبونه او يوجهون العتاب اليه .
ويقع في مجتمعاتنا ان تضغط قرينة الاب على اولاده من مطلقته او ارملته – لاسيما اذا كانوا من الاناث – بكيفية غير انسانية وقد يدفعهم ذاك الى الانتحار .
وهذه الصورة الاربعة تجسد نماذج من ظاهرة ( صرف الاخرين الى الانتحار ) او ( التسبب في انتحار الاخر ) وهي صورة بشعة من صور الوحشية داخل المجتمع مقابل عينة من اصناف فئاته المتنوعة سواء اكانوا من الاطفال او الشبيبة او الإناث او المسنين ، ولا يخلو منها مجتمع في الدنيا ، مع اختلاف درجة ومعيار ظهورها وكمية ممارستها ، واسبابها ، ودوافعها ، وشجاعة المجتمع في الاعتراف بوجودها ومدى جديته أمامها .
ومن اهم طرق دفاع المجتمعات في مواجهة ذاك الفئة من الوحشية القاسي – غير الحجة – هو منع ذلك الفئة من الافعال بمثابة ان ذاك خير أداة شرعية لحظر الناس من التورط فيها .
وفي حواجز ما يرتبط بنا في جمهورية دولة العراق فأن تشريع الإجراءات التأديبية رقم 111 لعام 1969 قد جريمة فعلين اثنين مرتبطين بالانتحار هما ( التحريض على الانتحار ) و ( المعاونة على الانتحار ) لاغير ، ولا تعد الجناية لائحة الا اذا حدث الانتحار او شرع الواحد بإعدام ذاته ، اما اذا ظل المحرض على تهييج الاخر لينتحر ولو أنه صغيرا او ناقص الادراك او الارادة كالمجنون والمعتوه ، إلا أن المحرض لم ينتحر ولم ينشد الانتحار ( يباشر الانتحار ) فلا جناية بالموضوع ولو ظل صاحبنا في التحريض على الانتحار الى ما لا خاتمة ، وايضاً لو ساعده بان احضر له الاداة التي ينتحر بها كأن اعطاه مسدسا ليقتل ذاته او سحب له الحبل الذي سيشنق ذاته به ، او احضر له السم ليشربه ، فأن فعله مباحا ما لم يقوم الواحد المعني بإنهاء حياة ذاته او ان يسعى قتلها .
اما الصورة التي ذكرناها المرتبطة بدفع احدث للانتحار او التسبب في انتحار احدث ، فلا تعتبر من صور التحريض على الانتحار ولا من صور المعاونة فوق منه ، لذلك فانها غير مجرمة استنادا للقانون العراقي ، على الرغم من بشاعة تلك الجناية وخطورتها على من تقع فوقه ، وهي اقرب الى اخطر الجرائم واقدمها ( جناية القتل العمد )، فمن يكون سببا في انتحار اجدد ، او يدفعه بافعال غير قانونية على الانتحار ، هو اقرب الى القاتل منه الى شئ احدث .
وعلى الرغم ان محكمة الجنايات قضت على عشيق القرينة – في العبرة الاول من جرائم صرف الاخر للانتحار – بحسب جناية اللطم المفضي الى الوفاة المنصوص فوق منها في المادة ( 410 ) من تشريع الإجراءات التأديبية ، الا ان مرتكبي افعال ( صرف الاخرين للانتحار ) في النماذج الثلاث الاخرى لم يتخذ تجاههم اي اجراء لان الدستور المُجدي لا يجرم افعالهم ، فلا يجرم قانوننا العقابي افعال صرف الاخرين للانتحار او التسبب في انتحارهم .
ومع احترامنا لوجهة نظر محكمة الجنايات في ادانة عشيق القرينة – الذي انتحر قرين عشيقته جراء علاقته غير المشروعة بزوجته ورسائله في نعت وصور بدنها ونعت وتصوير افعال الزنا بها – عن جرم الإعتداء المفضي الى الهلاك ، فأننا نختلف برفقتها لان تلك الجناية لا تنطبق بشكل حاسم على تصرف المدعى عليه ، ولو ان الموضوع أتى بالقول :-
( من اعتدى عمدا على احدث بالإعتداء …. او بارتكاب اي تصرف احدث مخالف للقانون ، ولم يعني من هذا قتله ، إلا أنه افضى الى وفاته … )
فيظهر لاول وهله ان تصرف العشيق يدخل في سائر قول المقال ( او بارتكاب اي تصرف احدث مخالف للقانون ) بكون ان زنا العشيق بزوجة المنتحر وارساله المراسلات اليه تصرف مخالف للقانون ادى الى هلاكه ، غير أن هذا غير دقيق لانه يشترط لقيام ( جرم الصفع المفضي الى الوفاة ) ان يكون تصرف الجاني ماسا بسلامة جسم المجنى فوقه او سلامته ، وصالحا في حاجز نفسه في تحري الهلاك ، فيما ان الإجراء المخالف للقانون الذي ارتكبه العشيق وهو الزنا وارسال مراسلات ( sms ) لا يعتبر ماسا بجسد المنتحر ، ولا تصلح بشكل حاسم لتلبية وإنجاز هلاكه ، فلا يمكن ان يصلح الزنا بالزوجة لتلبية وإنجاز مصرع القرين مهما تكرر ، ولا يصلح ارسال المراسلات بالتليفون النقال لتلبية وإنجاز الموت بشكل قاطع .
فيتوجب لتجريم فاعل ما ان تكون الجناية ناتجة عن سلوكه الاجرامي استنادا لنص المادة ( 29 / 1 ) من تشريع الإجراءات التأديبية ، وغير ممكن ان يقال ان مصرع من وقع في حقه الجرم كان نتيجة سلوك عشيق قرينته ، لان مصرعه كان نتيجة اطلاقه النار على ذاته من مسدسه .
بل الفعلين الذين ارتكبهما عشيق القرينة يصلحان لترك اثر نفسي قاسي على القرين المنتحر ، انما يظللان غير صالحين لتلبية وإنجاز الموت ، ومن ثم لا تقوم جرم الصفع المفضي الى الهلاك في إجراء العشيق .
بل الزنا بالزوجة وارسال المراسلات باوصاف مواقعتها وإشارات جسمها الفارقة ، اثرت في من وقع في حقه الجرم نفسيا وشكلت ضغطا صارما أعلاه فادى به الى قتل ذاته ، ففعل من وقع في حقه الجرم هو من ادى الى الموت وليس إجراء العشيق . إلا أن العشيق بافعاله صرف المجني عليه الى الانتحار او تتسبب في في انتحاره .
لذلك فأن افعال العشيق التي دفعت من وقع في حقه الجرم للانتحار غير مجرمة لعدم انطباق اي موضوع عقابي فوقها ، وهو غير ممكن ان يطارد عن جرم الزنا لان تلك الجناية لا إنتقل الا بشكوى القرين ، الذي قتل ذاته قبل ان يحرك التظلم عن جناية زنا الزوجية ، فلا يمكن قانونيا تحريكها من بعده .
وما نرغب كلامه في التتمة هو ان افعال ( صرف الاخرين للانتحار ) او ( التسبب في انتحارهم ) غير مجرمة في الدستور الاتحادي العراقي ، وغير ممكن مطاردة مرتكبيها التزاما بالقاعدة الدستورية العامة ( لا جرم ولا إجراء عقابي الا بنص ) ، الا ان اقليم كوردستان عالج ذلك المسألة – بفضل صلاحياته الاقليمية – إثنين من المرات :-
المرة الاولى :- كلما اوقف – بمقتضى الدستور رقم ( 42 ) لعام 2004 نفاذ المادة ( 408 / 1 ) من تشريع الجزاءات واحل محلها الاتي :- ( يعاقب بالحبس فترة لا تزيد على سبع أعوام من أثار شخصا او ساعده باية أداة على الانتحار او كان سببا في فيه ، اذا ما تم الانتحار تشييد على ذاك ، وتكون المعاقبة الحبس في ظرف الشروع ) .
فاقليم كوردستان جناية إجراء ثالث اضافة الى الفعلين الموجودين بالنص الاتحادي ( التحريض والمعاونة ) هو ( التسبب في الانتحار ) ، وذلك يستوعب فروض صرف الاخر على الانتحار بنماذجه المتغايرة التي ناقشناها في ذلك النص .
المرة الثانية :- كلما جريمة ( الانتحار اثر الشدة الاسري ) كصورة من صورة الشدة الاسري في المادة الثانية من تشريع مقاوِمة القساوة الاسري في اقليم كردستان رقم ( 8 ) لعام 2011 . وعلى الرغم ان بلوَرة الموضوع لم تكن موقفة بتلك الفقرة الا ان ارجاعها الى اصلها بكونه صورة من صور الشدة الاسري على حسب تعريفه في المادة الاولى من الدستور ([3])، يجعل الموضوع مستوعبا لفروض الانتحار جراء ضغوطات الشدة في نطاق العائِلة .
الا ان هذين النصين لا يطبقان الا في حواجز اقليم كوردستان لاغير ، الأمر الذي يفتقر انتاج قوانين من مجالس المحافظات طبقا لصلاحياتها الدستورية ، او تحديث تشريع الغرامات الاتحادي بما يصون تحريم افعال ( صرف الاخر للانتحار ) او ( التسبب في انتحاره.