«الندب» لأعمال التحري في نمط الأفعال الجزائية السعودي
حرص نمط الأفعال الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م / 93 وتاريخ 28/7/1422ه على وحط الضوابط التي تنظم عمل رجال ضبط الخيارات الجنائي سواء لدى قيامهم بواجباتهم في فترة الاستدلال، أو لدى قيامهم ببعض أفعال التقصي على طريق الاستثناء، فلرجال الإعداد الجنائي الحق في تخطى سلطتهم الضرورية ألا وهي:
القيام بتدابير التقصي وجمع الاستدلالات ، إلى مزاولة قليل من سلطات التحري الجنائي التي هي في المنبع من اختصاص سلطة التقصي (ممنهجة التحري والادعاء العام ) فقد حدد الإطار إعطاء ذلك الحق الاستثنائي في حالتين هما:
1 موقف التلبس .
2 ظرف الندب .
وذلك الحق لرجال التجهيز الجنائي (ضباط قوات الأمن، ومديرين جمعية الشأن بالمعروف والنهي عن المنكر، وآخرين ممن ذكرهم النسق في المادة رقم (26) كلٌ في حواجز اختصاصه) يحتسب خروجا على النُّظُم العامة للتحقيق الجنائي نتيجةًً لكون ممارسات التحري من الموضوعات التي فيها المساس بحقوق الناس وحرياتهم، وهي محاطة بضمانات كافية رآها الشارع في سلطة التحري، ولكي تكون الإشراف متاحة على ممارسات التقصي .
ولما كانت الممارسات التي يجريها رجال التهيئة الجنائي للبحث عن دلائل الجناية تُعد من أكثر وأخطر الأفعال التي تمارسها السلطة التنفيذية في الجمهورية؛ إذ قد تتسببفي المساس بحرية المتهم الأمر الذي يتضاد مع حقوق وكرامة البشر وكرامته، إلا أن الهيئة العامة قد تحتاج المساس بذلك الحقوق بواسطة اتخاذ قليل من الأعمال، لذلك خسر أجاز نمط الأعمال الجزائية في المملكة السعودية لرجال التهيئة الجنائي التعرض لحريات الأفراد بصفة مؤقتة إذا اقتضت الهيئة العامة هذا .
فيحق لرجال التجهيز الجنائي إعتياد أداء عدد محدود من أفعال التقصي في الحالتين التي ذكرناهما آنفاً، وبشكل خاصً إذا تم ندبهم لذا من قبل سلطة التقصي، فالندب هو الموقف الثانية التي تبيح لرجال ضبط الخيارات الجنائي مزاولة سلطات استثنائية في إجراءات التقصي، وذلك ينبغي أن يكون الندب في أضيق الأطراف الحدودية الممكنة ، وفي حالات اللزوم والاستعجال، فالندب عمل استثنائي اقتضته الأهمية لحدوث العوامل والمسوغات لهذا؛ فلا يجوز الإتساع فيه ولا القياس أعلاه، ومن العوامل المسوغة للندب:
1 في قليل من الأوضاع يتعذر على المحقق القيام بكل أفعال التحري، ولذا لكثرتها ولضيق الدهر .
2 أن منفعة التحري تقتضي الإسراع بإنجاز عدد محدود من أعماله؛ فيلجأ المحقق إلى الاستعانة بمن هو أكثر قربا منه لأداء ما يرغبه .
3 قد يبدل تقيّد المحقق باختصاصه الإقليمي دون انتقاله إلى مواضع تطلع عن دائرة اختصاصه .
4 الإفادة الأمر الذي عند رجال التهيئة الجنائي من قدرات نقدية في أداء بعض ممارسات التحري (كإجراءات القبض والتفتيش) والتي تتطلب لقوة بدنية، وخبرات مهارية محددة، ووسائل تكنولوجية خاصة .
مثلما ينبغي أن يكون الندب للتحقيق معيناً بممارسات محددة، وتلك الممارسات هي الإجراءات التي ترمي إلى جمع الدلائل، المرتبطة بجريمةٍ قد وقعت بالفعلً، كسماع الشهود والمعاينة، وأيضا الندب للقبض على المشتبه به وتفتيشه وتفتيش بيته، فلا يجوز الانتداب العام للتحقيق في مسألة برمتها، مثلما لا يمكن ندب رجل التهيئة الجنائي لاستجواب المشتبه به، أو حبسه احتياطيا، ويلحق بالاستجواب كل ما له رابطة به كالمواجهة؛ هذا أنها لا تكون سوى عقب استجواب وهو محروم من القيام به فكذلك ما تشعب منه .
فللمحقق أن يندب واحد من رجال التجهيز الجنائي للقيام بفعل محدد أو أكثر من أعمال التحري ماعدا ممارسات محددة لا يمكن الندب فيها، ويقتصر القيام بها على المحققين ليس إلا وتلك الأفعال المستثناة هي:
1 القيام بالتحقيق مع المدعى عليه:
والحكمة في ذاك: أن الاستجواب فيه مساس بحرية المشتبه به وهو محاط بضمانات كافية رآها الشارع في سلطة التقصي، ولكي توجد الإشراف متاحة على إجراءات التحري، سوى أنه يكون غير مطلوب من موقف تجريم القيام بعملية الاستجواب على رجل التجهيز الجنائي في ظرف الندب: ما إذا نُدب لتصرُّف عمل محدد ثم حدثت شؤون جعلت استجواب المدعى عليه وجوب لا بد منها، ففي تلك الموقف يجوز له على الفور استجواب المشتبه به حتى لا تمض منفعة أعظم، ويشترط لصحة الاستجواب في تلك الموقف:
أن يكون الاستجواب متصلاً بالعمل المبعوث له ولازماً له في أعلن الحقيقة، بما يعني أنه لا يندب ابتداءً للقيام بعملية الاستجواب ، غير أنها نشأت موقف أثناء قيامه بعمله الاستثنائي المشروع أباحت له القيام بعملية الاستجواب . ويتضح هذا في المثال المقبل:
لو نُدب رجل التجهيز الجنائي لمعاينة مقر جرم محددة وفي ذاك المقر وجد واحد من المتهمين جريحاً بطلق ناري وهو على وشك الوفاة، ففي تلك الوضعية يجوز له أن يستجوبه خشية من فوات الزمن ووفاة المدعى عليه .
2 قام باحتجاز المشتبه به احتياطاً:
فيحظر على رجل ضبط الخيارات الجنائي القيام بذلك التصرف في موقف الندب؛ ضماناً لحرية المتهمين من المساس بها، ولأن الحبس الاحتياطي يتعين أن يكون مسبوقاً بالتحقيق مع المدعى عليه ولا يحق لرجل الإعداد الجنائي القيام بالاستجواب فما يترتب أعلاه أيضاً، فضلاً إلى أن الحبس الاحتياطي ليس فيه عنصر من مكونات الاستعجال التي تختلق أسباب الندب .
ثم إن النسق لو أنه قد تحريم على رجل الإعداد الجنائي إحتجز المدعى عليه احتياطاً في ظرف التلبس التي تكون فيها مظنة الخطأ منتفية أو واهنة والأدلة ظاهرة فمن باب أولى أن يُحجب من ذاك الحق في وضعية الندب .
3 التحري في مسألة بأكملها:
فلا يجوز لجهة التحري (منظمة التقصي والادعاء العام) أن تكلف رجل ضبط الخيارات الجنائي بالتحقيق في موضوع برمتها؛ لأن ذلك يتناقض مع المقصود من الندب إذ إن الحكمة منه اجتماع الأوضاع الطارئة والمستعجلة فلا تنبسط إلى تحري القضية بأكملها، إضافة إلى ذلك أن النسق قد أجاز الندب في أمورمحددة واستثنى أعمال محددة يحرم القيام بها وهي: «الاستجواب،
والمواجهة، والحبس الاحتياطي» وفي ندبه للتحقيق في مسألةٍ بأكملها تخطى لذلك النسق ومخالفة له .
ومما تقدّم يتجلى أن الندب إنما أبيح استثناءً للضرورة فلا يجوز التمدد فيه ولا القياس فوق منه، ويجب أن يكون مسبوقاً بتحريات جديّة توميء إلى قيام شواهد كافية بحق الفرد المرغوب اتخاذ تصرف التقصي حياله؛ حفاظاً على حريات الناس أن تنتهك، وتصليح للحقوق النقدية والمعنوية، إذ حرص نمط الممارسات الجزائية في المملكة السعودية على إصلاح الإنسان وتكريمه، وتحريم كل ما يمسّ شخصه أو عرضه أو ممتلكاته؛ طالما بعيداً عن التهمة، متوقياً للشبهات، ملتزماً بأحكام الشرع .