الصلح خير كله، وبركاته لا تكاد تحصى ولا تعد، ويكفي ما فيه من الأجر الهائل الموعود من الله عزوجل “ومن يفعل ذاك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما”، وأيضاً ما قرره الفاروق عمر بن الخطبة رضي الله سبحانه وتعالى عنه بقوله “ردوا الأعداء حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث الضغائن بين الناس”، وفي قصة “فإنه أبرأ للصدر وأصغر للحنات”.
وفي قليل من القضايا يكون السعي إلى التفوق والمصالحة بين الأعداء أحوج من غيرها، ومن أبرزها هذه القضايا الناشئة عن المنازعات التجارية، وذلك ولقد نصت وثيقة أبوظبي للنظام المشترَك للتوفيق والمصالحة بدول مجلس التعاون على تشكيل لجان للتوفيق والمصالحة وجعلت أول اختصاصاتها تسوية المنازعات المدنية والتجارية أيا كانت ثمنها، مثلما نصت في المادة الثالثة 10 منها على أساس أنه “على المحاكم عدم سماع أي دعوى من الإدعاءات التي تدخل في اختصاص لجنة الفوز والمصالحة سوى إذا رِجل لها واحد من الأطراف إفادة من اللجنة بعدم إنهاء الصلح”، مثلما نصت المادة السادسة 10 من الوثيقة إلى أن “تعمل اللجنة على حسم الكفاح صلحاً أثناء ثلاثين يوماً على الأكثر من تاريخ تواجد الأطراف في مواجهتها ويجوز مدها باتفاق الطرفين”.
وفي تصوري أنه من الموائم أن يشطب قيد الدعوى وتحديد ميعاد لنظرها، ويكون نظر لجنة النجاح والمصالحة للدعوى طوال المرحلة التي بين قيد الدعوى والجلسة الأولى لنظرها، وهي على الأرجح ليست أقل من ثلاثين يوماً، ومن الممكن لطرفي الصراع أن يطلبا من ناظر القضية إرجاء الجلسة الأولى إلى توقيت أحدث إن لم تكن المرحلة المحددة كافية لبلوغ الصلح، وقد كان هنالك دلائل توحي بإمكانية تشطيب القضية بصلحٍ مرضٍ للطرفين. وتلك الوثيقة قد اعتمدت من المجلس الأعلى في دورته 24 المنعقدة بالكويت بتاريخ 27 _ 28 شوال 1424هـ كقانون استرشادي لوقت أربع أعوام، وقد مضت عديدة سنين على تلك الوثيقة ولم تحظ المنازعات التجارية بدوائر للتوفيق والمصالحة، وهي ما لو وجدت سوف تكون بإذن الله من أهم السبل للتخفيف من التعب الثقيل الملقى على كاهل القضاء التجاري، مثلما أنها سوف تكون كفيلة بالحد من تخلخل كميات وفيرة من الكيانات التجارية التي أرهقتها الصراعات، وأنهكتها المنازعات، لا سيما إذا كانت هذه الصراعات بين أولاد الرحم الشخص، فحينئذ يكون الصلح فيها أحرى وأولى بالإعتناء درءاً لقطيعة الرحم ورأباً لصدع المودة بين هذه الأسر.
وفي تقديري فإن عمل دوائر التفوق والمصالحة يلزم أن يكون تحت مراقبة المحكمة الخاصة أصلاً بنظر التشاجر مثلما هو الوضع في عمل هيئات التحكيم، لأن هذا سيضفي أعلاها مزيداً من الجدية والثقة عند أطراف الكفاح، وبذلك سوف تكون قراراتها ممهورة بالحكم القضائي المذيل بالصيغة التنفيذية من قبل الدائرة الناظرة للقضية، فيكون هذا أدعى لتعاون أطراف القضية مع دوائر الصلح، ويكون أحرى بقبولهم وتقديرهم لعملها. ولو لم يكن من ثمار الصلح سوى أنه علةٌ لإبراء ذمم أطراف الصراع وإنهاء الخصومة بحكم قطعي لكان هذا كافيا، وأذكر في ذلك المقام أن واحدة من المنازعات التجارية وافق فيها المتهم باستحقاق المدعي للمبلغ الذي يطالب به، غير أنه دعوة وقت إضافي 6 شهور لتسديد المبلغ، فرفض المدعي هذا، وطلب من الدائرة التجارية أن تحكم بإلزام المتهم، فحكمت الدائرة بذاك، واعترض المشتبه به على الحكم، فمكثت القضية عند الدائرة التجارية مرحلة تزيد على الستة أشهر قبل رفعها لمحكمة الاستئناف والتي ستمكث القضية تملك فترة مناظرة لها على أدنى إشادة.